فصل: مسألة الأمة تشترى وهي ممن تحيض في كل أربعة أشهر حيضة بكم تستبرأ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الشريكين في الأمة يطؤها أحدهما فتحمل وتلد:

ومن كتاب أوله يشتري الدور والمزارع:
قال يحيى: وسألته: عن الشريكين في الأمة يطؤها أحدهما فتحمل وتلد، ثم يتعدى الآخر ويطؤها وتحمل، ما الأمر فيها؟ فقال: إن كان للأول مال قومت عليه وكانت أم ولد له وأدب، ونكل الثاني نكالا موجعا ودرئ عنه الحد للشبهة وألحق به ولده، وإن لم يكن له مال لم تقوم على الأول ولا على الثاني ونكلا جميعا، والثاني أحق بأشد النكال، وألحق بهما أبناؤهما وعتقت عليهما، ولم تترك في يد واحد منهما.
قال محمد بن رشد: قال: إن الأول إن كان له مال قومت عليه الأمة وكانت أم ولد له، وقال: إن الثاني ينكل ويدرأ عنه الحد ويلحق به الولد، وسكت عما يجب عليه للأول، ويجب عليه له قيمة ولده، على أنه ولد أم ولد له؛ لأنه إنما وطئها وأولدها بعد أن صارت أم ولد للأول ويترادان فيما بينهما، فمن كان له منهما فضل على صاحبه رجع به عليه على ما يأتي لسحنون في نوازله بعد هذا، وقيل: إنه إن لم يكن للأول مال لم تقوم على الأول، ولا على الثاني، ونكلا وألحق بهما أبناؤهما، وأعتقت عليهما، وذلك كله بين على ما قال؛ لأن القيمة سقطت عن الأول لعدمه، وعن الثاني إذ قد فات نصيب الأول بالإيلاد ووجب أن تعتق عليه، إذ لا يقدر على وطئها من أجل نصيب الثاني الذي قد صارت أم ولد له، ووجب النكال عليهما، إذ لا يجوز وطء أمة فيها شرك، ولحق بهما أبناؤهما للشبهة التي أسقطت الحد عنهما وأعتقت عليهما؛ لأن نصيب كل واحد منهما قد صار أم ولد له بالإيلاد، ولا سبيل له إلى الوطء؛ لأن نصفها أم ولد له، ونصفها أم ولد لصاحبه.
وسكت: هل يجب على الأول قيمة نصف ولد للثاني؟ فروي عن ابن القاسم أن ذلك يجب عليه، وهو الصحيح في النظر والقياس؛ لأن الأمة لما لم تقوم عليه لعدمه، وبقي نصفها ملكا لشريكه، وجب عليه نصف قيمة ولده. وفي كتاب ابن المواز: أنه لا شيء عليه من نصف قيمة ولده، إذ قد أفات شريكه نصيبه من الأمة بإيلاده إياها. وأما الثاني فلا يجب عليه للأول في ولده شيء؛ لأنه وطئ، وبعض الأمة ملك له وبعضها قد وجب عتقه على شريكه، وهذا على مذهب ابن القاسم الذي يرى أنه يعجل عليه عتق نصيبه. وأما على قول غيره الذي يرى أنه لا يعجل عليه عتق نصيبه حتى يعتق نصيب شريكه، فيكون عليه قيمة نصف ولده على أنه ولد أم ولد.

.مسألة الأمة تشترى وهي ممن تحيض في كل أربعة أشهر حيضة بكم تستبرأ:

وعن الأمة تشترى وهي ممن تحيض في كل أربعة أشهر حيضة بكم تستبرأ؟ قال: أما التي قد عرفت حيضتها فإن كانت إنما تحيض من أربعة أشهر إلى أربعة أشهر ومن خمسة إلى خمسة أو إلى ستة ونحو ذلك، فإنه لا يبريها إلا الحيضة، فإن استبرأت من حيضتها فأقصى ما تستبرأ به تسعة أشهر، قال: وأما التي يتأخر حيضها فوق التسعة الأشهر أو السنة أو ما قاربها فإن ثلاثة أشهر تجزيها في الاستبراء إلا أن ترتاب فتقيم تسعة أشهر. قال: وأما التي تحيض في أقل من ثلاثة أشهر فإن رفعتها حيضتها كان استبراؤها ثلاثة أشهر إلا أن تستريب فتنتظر استكمال التسعة الأشهر أجل الحمل.
قلت: فإن كانت ترضع فخيف عليها أن تستأخر حيضتها للرضاع، قال: استبراؤها ثلاثة أشهر، فإن ارتابت فتسعة أشهر.
قلت: وفي جميع ما تبلغ فيه التسعة الأشهر عند الريبة ضمانها من البائع؟ قال: نعم، ولا يحل وطؤها دون ذلك.
قال محمد بن رشد: لا فرق في القياس بين التي تحيض من ستة أشهر إلى ستة أشهر أو من أربعة أشهر إلى أربعة أشهر، أو مما فوق ذلك، التسعة إلى السنة إلى مثلها أو التي تتأخر حيضتها للرضاع، فإنها تبرأ بثلاثة أشهر إذا لم يمر بها فيها وقت حيضتها، فارتفعت عنها لغير سبب، فيكون ذلك ريبة يلزم من أجلها أن تزيد على الثلاثة الأشهر حتى تبلغ إلى التسعة الأشهر أو تحيض دون ذلك، وإذا كانت التي تحيض في أقل من ثلاثة أشهر فارتفعت حيضتها تبرأ بثلاثة أشهر فأحرى أن تبرأ بثلاثة أشهر التي لم يمر بها فيها وقت حيضتها أو التي يعلم أنها لم تحض فيها من أجل أنها ترضع، فرواية عيسى عن ابن القاسم التي تقدمت في أن التي تحيض في ستة أشهر تبرأ بثلاثة أشهر أصح في القياس والنظر من هذه الرواية، وقد مضى القول على ذلك هناك. وقوله في التي تتأخر حيضتها فوق التسعة الأشهر أو السنة، فإن ثلاثة أشهر تجزيها في الاستبراء إلا أن ترتاب فتقيم التسعة الأشهر، الريبة هاهنا إنما هي بحس تجده في بطنها، وإنما تبرأ بتسعة أشهر كما قال إذا كانت تلك الريبة التي وجدت من الحس بقيت على حالها ولم ترد إلى التسعة الأشهر، فأما إن زادت فلابد من استبرائها إلى أقصى أمد الحمل، وكذلك القول في قوله: إن التي تستأخر حيضتها للرضاع إن ارتابت تستبرئ بتسعة أشهر، وبالله التوفيق.

.مسألة النصراني يبيع أم ولده النصرانية أيجوز للمسلم اشتراؤها:

ومن كتاب المكاتب:
قال: وسألته عن النصراني يبيع أم ولده النصرانية، أيجوز للمسلم اشتراؤها؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كان من دينهم استجازة بيع أمهات الأولاد، قيل له: أرأيت إن باعها من نصراني، فأسلمت؟ قال: إذا لم يكن إسلامها إلا بعد بيعه إياها فهي أمة؛ لأنها قد رقت لمشتريها حين كان بيعها جائزا له في دينه يوم باعها.
قال محمد بن رشد: إنما شرط في إجازته للمسلم شراء أم ولد النصرانية من النصراني، وفي أنها تباع على النصراني الذي اشتراها منه إذا أسلمت كما تباع عليه أمته إذا أسلمت، ولا يكون حكمها حكم أم ولد النصراني تسلم أن يكون من دينهم استجازة بيع أمهات الأولاد؛ لأن ذلك إذا لم يكن من دينهم فهو متعد عليها في بيعها وظالم لها في ذلك، وواجب على الإمام أن يمنعهم من التظالم فيما بينهم، فإذا أقر على نفسه ببيعها، وذلك غير جائز له في دينه، وقال ذلك أساقفتهم- وجب على الإمام أن يحول بينه وبين ذلك، ولم يجز لأحد من المسلمين أن يشتريها منه، فينبغي أن يحمل هذا على التفسير لما في كتاب الجنايات من المدونة من أن الذمي لو باع أم ولده لم يمنع من ذلك. وإجازته للمسلم شراءها منه إذا كان من دينهم استجازة ذلك إنما يأتي على القول بأنهم غير مخاطبين بشرائع الإسلام، وقد اختلف في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة زعم أنه وطئ جاريته وأنه يعزلها فجاءت بولد:

ومن سماع موسى بن معونة من ابن القاسم قال موسى بن معونة: قال ابن القاسم: من زعم أنه وطئ جاريته وأنه يعزلها، فجاءت بولد، فإنها أم ولده إلا أن يدعي استبراء، قال ابن القاسم: ومن ادعى أنه كان يطأ جاريته ولا ينزل، فجاءت بولد فإنه لا يلحقه ولا تكون أم ولد؛ لأنه إنما زعم أنه كان يفضي ويعزل، فالعزل قد يخطئ ويصيب، ولذلك لزمه الولد، وإذا قال كنت أطأ ولا أنزل فإنه ليس هاهنا موضع خوف في أن يكون قد أفضى فيها، فلذلك لم يلزمه الولد.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قال؛ لأن الولد إنما يكون من الماء الدافق، قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]... الآية، وقال:
{وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7] {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8]، فإذا لم ينزل أصلا علم أنه لم يكن منه ما يكون عنه الولد، فوجب أن لا يلزمه، وإذا وطئ فأنزل فعزل الماء عن الموطوءة وأنزله خارجا منها احتمل أن يكون لم يعزله بجملته وسبقه شيء منه كان عنه الولد، فوجب أن يلزمه؛ لأن الأمة قد صارت فراشا له بوطئه إياها فوجب أن يلحق به الولد حتى يوقن أنه ليس منه، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الولد للفراش، والحجر للعاهر»، ولا يقين في أن الولد ليس منه للاحتمال الذي ذكرناه، وقد دل على ذلك قول النبي لأصحابه حين سألوه عن العزل: «ما عليكم ألا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة»، فأخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الولد قد يكون مع العزل إذا شاء الله بأن يكون معه بأن ينقلب الوكاء، كما قال عمرو بن العاص صاحب النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ فسبقه من الماء شيء يكون منه الولد لا يظن به، وقد قال في آخر كتاب الاستبراء من المدونة: من قال كنت أطأ أمتي ولا أنزل فيها فإن الولد يلحقه ولا ينفعه أن يقول كنت أعزل عنها. فذهب بعض الناس إلى أن ذلك خلاف لرواية موسى هذه في قوله فيها إنه من قال كنت أطأ ولا أنزل- أن الولد لا يلحقه. ومنهم من قال: سأله عمن قال لا أنزل، فأجاب عمن قال كنت أعزل، وليس شيء من ذلك كله بصحيح؛ لأن قوله ولا أنزل فيها دليل على أنه كان ينزل خارجا عنها، وهذا هو العزل بعينه، فعنه سأله، وعليه أجابه، فلا خلاف في رواية موسى لما في المدونة، بل هي مفسرة لها، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الجارية فتوضع للاستبراء فيعتقها المبتاع من قبل أن تستبرأ:

من سماع محمد بن خالد من ابن القاسم قال محمد: سألت ابن القاسم عن الرجل يشتري الجارية، فتوضع للاستبراء، فيعتقها المبتاع وهي في المواضعة من قبل أن تستبرأ. قال ابن القاسم: إذا كان الذي باعها لا يدعي حملها، إن جاء حمل مضى عتقه عليه فيها، ولم يكن له فيها رد ولو جاء حمل؛ لأنه قد قطع ذلك من نفسه بعتقه إياها، ورضي بذلك.
قال محمد بن رشد: هذا صحيح من قول ابن القاسم على أصله في أن للمشتري أن يسقط المواضعة عن البائع ويقبلها بعيب الحمل إن ظهر بها إذا لم يقع البيع على ذلك، ويأتي على قول سحنون أنه لا يجوز أن يقبلها قبل ظهور الحمل بها ويسقط المواضعة فيها عن البائع؛ لأنه يتهم في إسقاط الضمان عن البائع وتعجيل النقد له، على أن يتعجل الانتفاع بالجارية فيدخله ابتياع الضمان وسلف جر منفعة- أن عتقه فيها لا يلزمه وأن له أن يردها إن ظهر بها حمل، ويبطل العتق.
وقد وقع في سماع أبي زيد من كتاب العتق في رجل اشترى أمة فوضعها للاستبراء فحلف بعتقها لرجل ليقضينه حقه فحنث، ثم ظهر بها حمل ليس هو من البائع، قال: يردها بالحمل ويأخذ الثمن ولا عتق له، وقاله ابن المواز أيضا في كتاب العيوب من ديوانه، فقال بعض الناس فيها: إنها مسألة حائلة لابن القاسم ليست على أصله، ورواية محمد بن خالد هذه عنه تردها، وليس ذلك بصحيح عندي؛ لأنه إذا بتل عتقها فقد رضي بعيب الحمل إن ظهر، وأسقط التبعة فيه عن البائع بقصده إلى تفويتها بالعتق، والحالف بالعتق أن يقضي غريمه حقه ليس بقاصد إلى تبتيل العتق باليمن، وإنما قصد به إلى التخلص من غريمه به، فلا يحمل عليه أنه رضي بعيب الحمل إن ظهر؛ إذ لم يرد إلا البر بالقضاء، ولعله غلب على الحنث بالعجز عن القضاء، فوقع الحنث بغير اختياره، وهذا فرق بَيِّنٌ بَيْنَ المسألتين، فلا يحمل على ابن القاسم التناقض والاضطراب في ذلك.

.مسألة يشتري الجارية ومثلها يوطأ ومثلها لا يحمل فهل تتواضع إذا لم تحض:

ومن سماع عبد الملك بن الحسن من عبد الله بن وهب قال عبد الملك بن الحسن: سألت ابن وهب: عن الرجل يشتري الجارية وهي من جواري الوطء مثلها يوطأ ومثلها لا يحمل، فهل تتواضع إذا لم تحض؟ قال: نعم، تتواضع، قلت له: فإن لم تتواضع وماتت في أيام الاستبراء في يد المشتري؟ فقال: إذا جهل الاستبراء فهي من البائع.
قال محمد بن رشد: قد مضى في رسم البيوع الأول من سماع أشهب الاختلاف في وجوب مواضعة التي لا يوطأ مثلها ويومن الحمل منها وفيما تستبرأ به عند من أوجب المواضعة فيها لمن أحب الوقوف عليه، فلا معنى لإعادته، فإن لم تواضع عند من أوجب المواضعة فيها وماتت في يد المشتري قبل أن يمضي من المدة ما تستبرأ فيه، فالضمان يكون من البائع كما قال لوجوب الحكم بالمواضعة عنده على ما في المدونة وغيرها، وبالله التوفيق.

.مسألة حر وعبد بينهما جارية فيطآنها فتأتي بولد فيدعيانه:

ومن مسائل نوازل سئل عنها سحنون وسئل سحنون: عن الرجلين يكون بينهما الجارية فيطآنها في طهر واحد، أحدهما حر والآخر عبد، فتأتي بولد فيدعيانه جميعا، قال: يدعى لهما القافة. قيل له: فإن دعي لهما القافة فقالت: هو للعبد، فقال: الحر مخير إن شاء ضمنه قيمة نصيبه يوم وطئها، وإن شاء تمسك بنصيبه منها؛ لأنها لا تخرج من رق إلى عتق، وهي مثل الجارية بين الرجلين الحرين يطؤها أحدهما فلا تحمل- أن الشريك مخير بين أن يتمسك أو يقومها عليه، قيل له: فإذا رضي أن يتمسك بنصيبه هل يكون له نصف الولد رقيقا؟ قال: نعم. قلت: فإذا أراد الشريك أن يقومها عليه والعبد معسر، كيف يغرم قيمتها؟ فقال: تباع الجارية في نصف قيمتها يوم وطئها ليس يوم أولدها فيغرم إليه قيمتها يوم وطئها في الوجهين جميعا كان له مال أو كان معسرا وليس هو في القيمة إذا كان معسرا مثل الحر.
قلت: فهل يباع الولد معها إن كانت قيمة الجارية اليوم ليست تحيط بنصف قيمتها يوم وطئها؟ قال: لا يباع الولد معها؛ لأن الولد ليس مالا للعبد، وإنما يباع في القيمة مال العبد؛ قال: ويتبع العبد بما بقي من القيمة في ذمته إن لم يكن في ثمن الجارية وفاء، ولا يكون ما بقي في رقبته لأنها ليست جناية لأنه كان مأذونا له في ذلك، قيل له: فإن ألحقته القافة بهما جميعا؟ فقال: يعتق الصبي على الحر لأنه قد عتق عليه نصف ابنه وبقي نصفه ابنا للعبد، فيعتق عليه جميعه لما دخل في نصفه من الحرية، ويغرم نصف قيمته إلى سيد العبد.
قلت: فالأمة ما يكون حالها وقد صار نصفها أم ولد للحر ونصفها للعبد؟ قال: أرى أن يقوم عليه النصف فيحل له وطؤها ويكون عنده نصفها أم ولد له ونصفها رقيق حتى يولدها مرة أخرى بعد استبرائه هذا النصف الباقي فيكون جميعها أم ولد له، بمنزلة الرجلين الحرين تكون بينهما الجارية فيطؤها أحدهما فيولدها ولا مال له فيكون له نصفها أم ولد له، ثم إن اشترى نصف شريكه يوما ما حل له وطؤها ويكون نصفها بحساب أم ولد ونصفها للمشتري رقيقا له إلا أن يولدها بعد اشترائه النصف الثاني فيكون جميعها أم ولد له، قيل له: فهل يقال للصبي إذا بلغ وال أيهما شئت؟ قال: نعم. قيل له: فإن والى الصبي العبد أيكون ذلك له فيكون ابنا للعبد؟ فقال: نعم يكون ابنه ويكون حرا.
قلت: فإن أعتق العبد يوما ما أيرث الغلام إن مات العبد؟ قال: نعم. قال أصبغ: إذا قالت القافة اشتركا فيه وكان أحدهما حرا والآخر عبدا كان نصيب الحر من الأمة عتيقا معجلا، وكان نصف العبد منها أم ولد موقوفة لا يطؤها على نحو أمهات الأولاد إن مات العبد ورثها سيده وإن أذن له سيده باعها، وإن رهقه دين وهو مأذون له بيعت، فإذا بلغ الابن فإن والى الحر لحق به وكان عليه غرم نصف قيمة الولد لأنه رقيق لسيد العبد؛ لأن ولد العبد من أمته رقيق لسيده، فإن والى العبد لحق به نسبه وكان ولده وكان نصفه حرا كما عتق من أمه نصفها وهو نصيب الحر منه لشبهة الشرك الذي وقع فيه، ولم يكن على الحر أن يقوم عليه بقيمة الولد؛ لأنه ليس عتق ابتداء، وإنما هو حكم لزمه ووقع عليه كهيئته ما لو ورث نصفه. قيل لسحنون: فلو أن أحد الحرين مات والصبي لم يبلغ حد الموالاة، فقال: يوقف للصبي قدر ميراثه من مال الميت حتى يبلغ، فإذا بلغ فإن والى الميت كان الميراث له، وإن والى الحي لم يكن له من ميراث الميت شيء، قيل له: فلو أن الصبي مات قبل أن يبلغ الموالاة وبعد ما مات أحد أبويه الذي كنت أوقفت له منه ميراثه حتى يوالي، لمن يجعل ميراث هذا الصبي، وكيف يورث؟ قال: يورث الصبي من أبيه الميت ميراثه ويورث أبوه الحي من الصبي نصف ما ترك الصبي من ميراثه عن أبيه أو من مال وهب له أو صار له بوجه من الوجوه، ويرث النصف الباقي ولدا في الصبي الميت إن كان ترك أبوه ولدا لأنهم إخوته، فإن لم يكن للميت ولد ورث النصف الباقي من الصبي إخوة الميت أو أعمامه أو من كان يرجع مع الميت إلى صلب.
قال أبو زيد بن أبي الغمر وأصبغ بن الفرج: ميراث الصبي وما ترك من مال لأمه، وللأب الباقي، وليس للأب الميت ولا لعصبته من ميراثه شيء، ويرد ما كان أوقف للصبي من ميراث الميت إلى ورثة الميت الباقين؛ لأنه لا يجب للصبي بعد فيجب لورثته؛ لأنه إنما يجب له بعد الموالاة. ألا ترى أنه لم يكن ينفق عليه منه، وإنما هو موقوف يجب له بالموالاة أو لا يجب.
قال أصبغ: ولو رأيت أن ميراث الميت الأول يجب للصبي ولورثته دخلت عصبة الأب الميت مع الأب الباقي في ميراث مال الصبي فورثوه جميعا، ولكن هذا ليس بشيء، والذي لا شك فيه أن ميراث الصبي إذا مات بعد موت أحدهما للأب الباقي وحده لا يشرك فيه أحد إلا الأم وحدها.
قيل لأصبغ: فإن كانا هذين الرجلين اللذين اشتركا فيه أحدهما كافر والآخر مسلم ما الأمر فيهما عندك؟ فقال لي: إن ألحقته القافة بالمسلم لحق به وكأن الأمة أم ولد له وغرم نصف قيمة الأمة إلى الكافر، وإن ألحقته القافة بالكافر لحق به وكان ولده، وعلى دينه، يوارثه وينتسب إليه، وكانت الأمة أم ولد له، وغرم نصف قيمتها إلى المسلم، وإن كانت كافرة أقرت عنده أم ولد له، وإن كانت مسلمة عتقت عليه. قال أصبغ: فإن قالت القافة: إنهما اشتركا فيه فإن الأمة أم ولد معتقة الساعة منهما جميعا، والولد موقوف حتى يبلغ فيوالي أيهما شاء، فإن والى المسلم فهو ولده وعلى دينه، وإن والى الكافر فهو ولده ولا يكون على دينه ولا يترك إلا على دين الإسلام للشبهة والشرك الذي دخل فيه، وكذلك قال أصحابنا، وهو رأيي.
قلت: فإن مات الكافر منهما قبل بلوغ الصبي أيوقف له ميراثه منه حتى يبلغ؟ قال: نعم، فإذا بلغ فإن والاه أخذ ميراثه منه الذي وقف له، وأما دينه فلا يكون إلا على الإسلام.
قلت: وكذلك إن ماتا جميعا، وقف له أيضا ميراثه منهما؟ فقال لي: نعم، فأيهما والى وارثه.
قلت: وكيف يرث الكافر وليس هو كما زعمت على دينه؟ فقال لي: يرثه بالرحم والنسب وبأنه ولده، ثم نجبره الساعة على الإسلام للذي أخبرتك من شبهة الشرك، وهو استحسان وليس بقياس.
قلت: فإن مات الصبي بعدهما وقد ماتا جميعا قبله، من يرثه؟ قال: يرد ما وقف من مالهما إلى ورثتهما يوم ماتا إن مات قبل أن يوالي أحدهما، ثم إن كان ترك مالا وهب له أو ورثه من أمه أو فرض له ورث نصفه بعد خروج فريضة إن كان يرثه ذو فريضة عصبة أبيه المسلم، على قُعْدُدِهم به، ويبقى النصف الآخر، فإن كان لأبيه الكافر عصبة مسلمون يرثونه ورثوا ذلك النصف وإلا ورثه المسلمون كهيئة المسلم يموت، من أبوه كافر، فيرثه عصبته لأبيه المسلم، وإلا ورثه المسلمون.
قيل لأصبغ: فلو أنهم ثلاثة وطئوها في طهر واحد: مسلم وعبد ونصراني، فحملت، والأمة مسلمة؟ قال: إن قالت القافة إنهم اشتركوا فيه، فإنها تعتق على المسلم والنصراني ولا تعتق على العبد، ويكون للعبد قيمة نصيبه عليهما جميعا. وإنما ألزمنا النصراني العتق؛ لأنه حكم وقع بين مسلم ونصراني، ولو كانت الأمة نصرانية عتق جميعها على الحر المسلم، وقوم عليه نصيب العبد والنصراني.
قال محمد بن رشد: الحكم في الأمة بين الشريكين إذا وطئها أحدهما بإذن شريكه أن يقوم عليه شاء أو أبى، ولا خيار في ذلك لواحد منهما؛ لأن ذلك كالتحليل الذي يلزم القيمة فيه بالوطء على كل حال، وأما إذا وطئها متسورا عليها دون إذنه ولم تحمل فهو مخير، إن شاء قومها عليه وإن شاء تمسك بنصيبه، هذا قوله في المدونة، وهو المشهور في المذهب، وإذا تمسك بنصيبه ولم يقومها عليه منع من الغيبة عليها؛ لئلا يعود إلى وطئها، ويعاقب على ما فعل من ذلك، وإن كان جاهلا لم يعذر بجهله، إلا أن عقوبته أخف من عقوبة العالم، قاله ابن حبيب. وقد قيل: إنها تقوم عليه على كل حال لأنه لما وطئها بشبهة درئ عنه الحد بها قُوِّمَتْ عليه؛ لأنها إن لم تُقَوَّم عليه أشبه ذلك عارية الفروج، وهو ظاهر ما في كتاب الشركة من المدونة، وأما إن حملت فإنها تُقَوَّم عليه على كل حال، قال في المدونة: يوم حملت لا يوم وطئها إن كان وطئها مرة بعد مرة؛ لأنه إن كان إنما وطئها مرة فيوم الوطء هو يوم الحمل، فتكون له أم ولد، ولا يكون عليه قيمة الولد؛ لأنه إنما حدث بعد أن صارت الأمة ملكا له بوجوب القيمة عليه فيها، ولا نص خلاف في هذا، إلا أن الخلاف يدخل فيه بالمعنى على قوله: إن القيمة تكون فيها يوم الحمل؛ لأنه إذا أوجب القيمة بالحمل فقد وقع الحمل ووجوب القيمة عليه معا، فإنما وقعا معا، فلابد أن يغلب أحدهما على الآخر ويحكم له بحكم التقدم، فإذا غلبنا القيمة وحكمنا لها بحكم التقدم لم يكن عليه في الولد شيء، وهو المنصوص، وإذا غلبنا الإيلاد وحكمنا له بحكم التقدم وجب أن يكون عليه نصف قيمة الولد، وعلى هذا المعنى والله أعلم، قال ابن القاسم في المعسر: إنه يباع عليه نصف الأمة فيما لزمه من نصف قيمتها ويتبع بنصف قيمة الولد، والقياس على مذهبه في المدونة أن يكون مخيرا بين أن يقومها عليه يوم الوطء أو يوم الحمل؛ لأنه ما لم تحمل، هو بالخيار ما بين أن يقومها عليه أو يتمسك بحظه منها، فإن قومها عليه يوم الوطء فلا إشكال في أنه لا شيء عليه من قيمة الولد، وإن قومها عليه يوم الحمل احتمل أن يكون جميعا يجب عليه نصف قيمة الولد وأن لا يجب على ما ذكرناه من الاحتمال، والأظهر أن لا يكون عليه نصف قيمة الولد؛ لأن القيمة تجب عليه بأول الإيلاج قبل الإيلاد، وإن وطآها جميعا عزلت عنهما لئلا يعودا إلى وطئها ووقفت على يدي امرأة، فإن حاضت بيعت عليهما إلا أن يتقاوماها فتصير لأحدهما، وإن لم تحض واستمرت حاملا فماتت قبل أن تضع كانت مصيبتها منهما، وإن وضعت لستة أشهر فصاعدا من يوم وطئها الآخر دعي له القافة، فمن ألحقوه به منهما لحق به، وكانت الأمة أم ولد له، وكان عليه نصف قيمتها يوم حملت لشريكه حسبما وصفناه إذا أولدها أحدهما.
وقول سحنون في أول هذه النوازل: إذا كانت بين حر وعبد فوطآها في طهر واحد وأتت بولد وادعياه جميعا أنه يدعى له القافة، معناه إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من يوم وطئها الآخر. وقوله: إذا قالت القافة إنه للعبد- أن الحر مخير بين أن يُضَمِّنه قيمة نصيبه منها يوم وطئها وبين أن يتمسك به ويكون له نصف الولد رقيقا، صحيح على ما قال من أجل أنه ليس لها بإيلاد العبد حرمة أمهات الأولاد، فيكون الحكم في ذلك حكم الجارية بين الشريكين الحرين إذا وطئها أحدهما فلم تحمل، كما قال في بعض الروايات، وهي مثل الجارية بين الرجلين الحرين يطؤها أحدهما ولا مال له فتحمل.
والرواية الأولى أصح وأظهر في المعنى، وعلى القول الذي حكيناه من أنه يقوم على الحر على كل حال، وإن لم تحمل تقوم على العبد أيضا حملت أو لم تحمل، وقوله: إن كان معدما تباع كلها في نصف القيمة ولا يباع الولد في ذلك صحيح؛ إذ لا حرمة لها بإيلاده على ما وصفناه؛ ولأن ولد العبد من أمته ليس بملك له، وإنما هو ملك لسيده، وقوله: إن القيمة يكون فيها يوم وطئها ليس يوم أولدها هو خلاف قول ابن القاسم في المدونة أن القيمة تكون في ذلك يوم حملت لا يوم وطئها، وقد تقدم بيان ذلك وما هو وجه القياس فيه على مذهبه في المدونة. وقوله: إنه لا يكون في رقبته من ذلك شيء؛ لأنها ليست جناية خلاف روايته عن ابن القاسم في أول سماعه من كتاب الجنايات أن ذلك جناية في رقبته، يقال لسيده: إما أن تفتكه بنصف قيمة الجارية، وإما أن تسلمه وماله لصاحب الجارية، وإلى هذا نحا ابن عبد الحكم، فقال: ويقع في قلبي أنها جناية. وقوله لأنه كان مأذونا له في ذلك، معناه: لأنه كان مأذونا له في وطء ما ملكت يمينه، فلما وطئ بهذه الشبهة ما له فيه شرك فسقط عنه الحد لزمه القيمة في ذمته، وخرجت من أن تكون جناية في رقبته، هذا معنى قوله، لا أنه يباح له أن يطأ أمة له فيها شرك.
وقوله: إذا ألحقته القافة بهما أن الصبي يعتق على الحر ويغرم نصف قيمته إلى سيد العبد ليس بجيد؛ لأنه لم يعتق نصفه فيقوم عليه باقيه، بل كان نصفه حرا بالحكم من أصله؛ لأن ولد الحر من أمته حر من أصله. وإذا كان من ورث نصف أبيه لا يعتق عليه باقيه بالتقويم، وإن كان الولاء له؛ لأنه أعتق عليه، فأحرى أن لا يقوم عليه نصف ابنه في هذه المسألة؛ إذ لم يعتق نصفه ولا له من ولائه شيء. ألا ترى أنه إن قُوِّم عليه نصفه على ما ذهب إليه فمات أبوه وهو حر معتق، ثم مات هو بعده ولا وارث له إلا الذي أعتق أباه- لم يرث منه بالولاء إلا النصف الذي أعتق عليه بالتقويم. وكذلك قول أصبغ: إنه لا يعتق عليه نصفه يغرم نصف قيمته إلا أن يواليه- لا معنى له يصح عليه؛ لأنه إن وجب أن يقوم عليه فلا وجه لتأخير ذلك إلى أن يواليه، وإن لم يجب ذلك قبل أن يواليه فلا يوجب ذلك عليه موالاته إياه، وهذا بيِّن.
وفي قول سحنون: إنه يُقَوَّم على الحر نصف الأمة التي للعبد، فيكون له رقيقا ويحل له وطؤها حتى يولدها مرة أخرى بعد اشترائه هذا النصف، فيكون جميعها أم ولد له- نَظَرٌ؛ لأنه إذا لم يُقوَّم عليه نصف العبد إلى حرية، فلا ينبغي أن يكون ذلك إلا برضا العبد. وقد وقع في بعض الكتب قال: أرى أن يُقَوَّم عليه نصف الباقي فيكون جميعها أم ولد له، وسقط ما بين ذلك من الكلام، فعلى هذا يكون جميعها أم ولد له إذا قومت عليه، ولا يحتاج في ذلك إلا إيلاد ثان، وهو ضعيف يرده قوله في المسألة التي نظَّرَهَا بها في الشراء؛ إذ لا فرق بين المسألتين. وقد حكى أبو إسحاق التونسي الخلاف أيضا في مسألة الشراء، وإن كان ضعيفا لا يحمله القياس، فعليه يأتي أن يجبر العبد على أن يقوم نصيبه من الأمة على الحر على ظاهر قول سحنون في الرواية وقد وصفناه.
وقول أصبغ: إذا قالت القافة: اشتركا فيه إن نصيب الحر من الأمة يكون عتيقا معجلا، ويبقى نصيب العبد منها بحال أم ولد العبد وتكون موقوفة لا يطؤها خلاف قول سحنون المتقدم، وخلاف قوله هو أيضا بعد هذا في الجارية تكون بين الحر والعبد والنصراني، فيطئوها في طهر واحد فتحمل إنها إن كانت مسلمة قوم نصيب العبد على النصراني والمسلم، وأعتقت عليهما، وإن كانت نصرانية قوم نصيب العبد والنصراني على المسلم وأعتقت عليه.
وقول أصبغ في هذه المسألة، وإن كان مخالفا لقوله الأول فليس بموافق لقول سحنون، بل هو مخالف له إذ قال: إنها تعتق على المسلم إذا قوم عليه نصيب العبد والنصراني، ولم يقل إنها تبقى بيده ثلثها أم ولد له، وثلثاها رقيق حتى يولدها مرة أخرى فيكون جميعها أم ولد له، ولا قال أيضا: إن جميعها يكون له أم ولد إذا قُوِّم عليه نصيب العبد والنصراني، ولا يحتاج إلى أن يولدها مرة أخرى على ما ذكرنا أنه وقع في بعض الروايات، وعلى ما حكاه أبو إسحاق التونسي.
وعتق الأمة على المسلم إذا كانت نصرانية فقوم عليه نصيب العبد والنصراني بعيد لا حظ له في النظر، وأما إذا كانت مسلمة فقوم على المسلم والنصراني نصيب العبد، وإنما أعتق على المسلم حظه منها من أجل أنه لا يستطيع وطئها بسبب حظ النصراني فيها الذي سبيله أن يعتق، ولا يدخل فيه اختلاف قول مالك في أم ولد النصراني تسلم هل تعتق، أو توقف لما دخلها من حرية نصيب المسلم، فيتحصل في حظ العبد من الأمة إذا كانت بينه وبين الحر، فوطأها جميعا في طهر واحد، فحملت أربعة أقوال: أحدها؛ أنه يكون مخيرا بين أن يُقوَّم حظه على شريكه الحر أو يتماسك به، فإن قومت عليه كانت له أم ولد في قول، ولا تكون له أم ولد حتى يولدها ثانية في قول مالك.
والثاني: أنها تقوم عليه شاء أو أبى، وتكون له أم ولد أيضا، ولا يكون حتى يولدها ثانية.
والثالث: أنه يعتق عليه نصيبه، ولا يقوم عليه نصيب العبد، وتبقى بيده بحال أم ولد العبد.
والرابع: أنه لا يعتق عليه نصيبه، ولا يقوم عليه نصيب العبد، وتبقى بيده بحال أم ولد العبد، فإن اشتراها يوما ما حل له الوطء، فهذه ستة أقوال؛ لأن القول الأول والثاني يتفرع كل واحد منهما إلى قولين، وفي كلها نظر لا يسلم من الاعتراض منها إلا القول الواحد، وهو أن يكون مخيرا بين أن يقوم حظه أو يتماسك به، فإن قومه عليه لم يكن جميعها أم ولد له حتى يولدها مرة أخرى.
وقول سحنون: إن أحد الحرين إذا مات، والصبي لم يبلغ حد الموالاة يوقف له قدر ميراثه من مال الميت حتى يبلغ، فإذا بلغ فإن والى الميت كان الميراث له، وإن والى الحي لم يكن له من ميراث الميت شيء صحيح على القول بالموالاة، وقد اختلف في حدها، فقيل: بلوغ الإثغار والميز، وهو قول أصبغ في كتاب مجالسه، وظاهر قول ابن حبيب في الواضحة أنه البلوغ وأما قوله: إنه إذا مات الصبي بعد ما مات أحد أبويه الذي كان وقف له ميراثه منه أنه يورث من أبيه الميت ما كان وقف له من ميراثه منه، ثم يرث ذلك عنه مع ما كان له من غير ذلك أبوه الحي وورثة أبيه الميت فهو قول فيه نظر، والصواب: أن يأخذ نصف ما وقف له من الميت فيضاف ذلك إلى مال إن كان له من غير ذلك، فيكون ذلك بين الأب الحي، وأحق الناس بميراثه من قبل الأب الميت؛ لأنه ما لم يوال أحدهما فهو محمول على أنه ابن لهما جميعا، وهذا قول ابن القاسم، وكذلك لو ماتا جميعا قبله، ثم مات بعدهما قبل أن يوالي واحدا منهما لورث من كل واحد منهما نصف ميراثه؛ لأنه ابن لهما جميعا، فيأخذ من مال هذا نصف ميراثه ومن مال هذا نصف ميراثه، فيضاف ذلك إلى مال إن كان له من غير ذلك بهبة، أو عطية أو ما أشبه ذلك، فيكون جميع ذلك بين أحق الناس بميراثه من قبل أبويه جميعا نصفين؛ لأنه إنما هو رجل مات، وله أبوان توفيا قبله، فيورث من أبويه جميعا نصف ميراثه من كل واحد منهما، ثم يورث أقرب الناس إليه من كل واحد من أبويه نصف ما ترك، وقول أصبغ وأبي زيد بن أبي الغمر: إنه يرد ما كان وقف له من ميراث الميت إلى ورثته، وترثه هو أمه والأب الباقي وحده بعيد، ويرده قوله بعد ذلك في المسلم والنصراني: إنهما إن ماتا قبله، ثم مات هو بعدهما يودي ما كان وقف له من ميراث كل واحد منهما إلى ورثته، ويرث نصف ما كان له من غير ذلك بعد خروج فريضة من له فرض مسمى إن كان يرثه ذو فريضة، يريد مثل الأم والإخوة للأم، والجدة عصبة أبيه المسلم على قعددهم، والنصف الآخر للمسلمين من عصبة أبيه الكافر، إن كان له عصبة مسلمون، فإن وقف له ميراثه من الميت منهما، فبلغ حد الموالاة، فأبى أن يوالي واحدا منهما، فذلك له، قاله سحنون، ويكون له نصف ما وقف له، وإن مات الصبي قبل أن تنظر إليه القافة، وله مال وهب له فهو بين الواطئين كمال بينهما يتنازعانه، وإن مات أحد الواطئين نظر القافة إلى الولد والباقي، فإن زعموا أنه له لحق به، وكانت الجارية أم ولده، واختلف إذا قالت القافة: ليس هو لهذا فقيل: إنه يلحق بالميت، وقيل: لا يلحق بواحد منهما.
وكذلك اختلف أيضا إن مات الواطئان، وبقي الولد، فقيل: إنه يورث من كل واحد منهما نصف ميراث ولد، وقيل: إنه لا يورث من واحد منهما شيئا.